أن تاريخ صناعة السفن في منطقة الخليج العربي تاريخ قديم حافل بالمعلومات وقد تطرق اليه الكثير ممن كتب عنه بدقة وعن شخوصه الذين عاشوا في تلك الحقبة من التاريخ منذ زمن في هذه المنطقة العربية. ولقد اعتمدت صناعة السفن في الخليج على أيدي مهرة توارثوا هذه الصناعة عن ابائهم و تمكنوا من صناعة أجمل وأروع السفن على مدى العصور، وهنا تبين ان لهؤلاء صناع السفن لهجة خاصة بهم و بعض المصطلحات التي توارثوها ايضاً، والتي امتزجت بثقافات بعض الشعوب التي كانت لها علاقة بالتجارة بين بلدانهم منذ ما يقارب الفين و خمسمائة سنة حتى يومنا الحاضر. لقد مرت هذه المنطقة بتطورات كثيرة في صناعة هذه السفن وقد ذكر الأوائل من النواخذة والبحارة مسميات لهذه السفن ومن هذه الاسماء التي تطلق على السفن حتى يومنا هذا مثل اسم: الخشب والمحامل واللنجات. واما اسم اللنجات فهو اسم حديث اطلق على السفن التي تعمل بالمحركات. واما التي تعمل بواسطة الشراع فتسمى بالدومي. لقد مرت صناعة السفن على مر السنين بمراحل عديدة حيث قام سكان هذه المنطقة في بداية الامر بعمل طوافات من جذوع النخيل والتي تسمى محليا بـ «الجزم» - ومفردها جزمة – ويتم ربطها ببعض بالحبال وتحميلها بعض البضائع خفيفة الوزن والتنقل بها على طول ساحل الخليج وأن اكثر ما كان ينقل على تلك الجذوع هو المعدن الأصفر المسمى بالصفر من عمان الى جزيرة البحرين، والتي كانت قبل ذلك تنقل على ظهور الجمال لتتم عملية صهره في جزيرة البحرين، وذلك قبل أن تتحول عملية الصهر إلى عمآن. إن عملية نقل صفائح المعدن على ظهور الجمال والتي كانت تسمى بالمحامل صعبة للغاية ولا تتحمل الدواب عناء هذه الاحمال والسفر بها على طول الساحل، ففكر سكان هذه المنطقة بأبتكار وصنع طوافات، وتمت صناعتها واستخدامها للنقل واخذت مسمى المحامل، كما كان يطلق على الجمال التي تحمل المعدن الأصفر سابقاً، وبعد فترة من استعمال هذه المحامل وصعوبة الوصول بها إلى جزيرة البحرين وما تمر به من مراحل وفي وقت معين لتجتاز هذه الطوافات المسافة من شبه جزيرة قطر الى جزيرة البحرين اعتمادا على التيارات المائية وعلى موسم الهواء المسمى برياح: « لكوس» لكي تساعد هذه المحامل على العبور بواسطة المجاديف، ولأن هذه العملية صعبة للغاية فكر صناع هذه الطوافات بتخفيف هذه الجذوع وإضافة الشراع عليها مع المجاديف فقاموا بتفريق هذه الجزم وابعادها عن بعضها البعض بعد ان كانت متراصة وسطحها بالأخشاب وربطها بالحبال .. وقاموا بتشريح الاشجار المحلية وتركيبها فوق الجزم حتى يخف وزنها وتزيد من سرعتها وبعد ان تمت هذه العملية بنجاح اطلق عليها اسم الخشب وهذا الأسم مرتبط بالسفن المحلية حتى يومنا هذا. لقد تم شحن هذه الطوافات من عمان والمرور بها على ساحل الخليج حتى الوصول بها الى البحرين بعد معاناة طويلة، بسبب توقف هبوب الرياح الموسمية او لهبوب العواصف الشديدة احياناً، وبعد مرور كثير من الوقت قام صناع السفن وهم الذين اطلق عليهم اسم القلاليف بإدخال التعديلات على هذه الطوافات، حتى صنعت أول سفينه خليجية التي اطلق عليها اسم السنبوق «السنبوك المخيط» والتي مازالت تخاط وتربط اجزاؤها بالحبال المجدول المسمى محلياً بـ «الأستعمالة» قبل عملية ادخال المسامير في صناعة هذه السفن. وفي حوالي القرن السادس عشر، عندما غزا البرتغاليون جزر البحرين، أكتشف القلاليف في هذه المنطقة كيفية تركيب و تثبيت المسامير في تلك السفن فأقتبسوا فكرة ربط المسامير في أضلاع هذه السفن بعد ما كانت تثبت و تربط بالحبال. معنى السنبوق : و يتقسم الأسم إلى قسمين الأول هو سن والثاني هو بوق والسن: تعني دفع السفينة الى الأمام اما بوق: فهو قرن الثور الذين كان يستعمل من قبل البحارة لسماع صوت السفن من بعد في حالة حدوث الضباب او الظلام، عندما كانت السفن تسير مع بعضها البعض، والتي كان يطلق عليها محلياً اسم السنيار منذ وقت بعيد. احتوت سفينة السنبوق على شراع كبير، ثم تم ادخال بعض التحسينات عليها، واضيف لها الصاري الثاني والشراع المسمى الغيلمي حتى تزيد من سرعتها. تطورت صناعة السفن الخشبية بعد ذلك حسب الحاجة وصنعت عدة سفن بأشكال وأنواع ذات مواصفات عالية قادرة ومتمكنة على عبور المحيطات بعد ان كانت مقتصرة على الابحار في المنطقة والنقل الداخلي والغوص على اللؤلؤ. وتنوعت استخدامات هذه السفن فخصص بعضها للسفر الى خارج منطقة الخليج، والبعض الاخر لتحميل وتفريغ البضائع والاخر سفن حربية، وللعبور بين المناطق ومن انواع واسماء هذه السفن: البغلة: خاصة للسفر الطويل ونقل البضائع البوم: للسفر الطويل ونقل البضائع البقارة: للنقل داخل منطقة الخليج والغوص البتيل: للدفاع البحري والحروب والغوص على اللؤلؤ ايضاً الجالبوت: لها عدة استعمالات منها صيد الاسماك واللؤلؤ والكبير منها للنقل البحري داخل منطقة الخليج، والصغيرة للعبور بين الجزر. السنبوك: خصصت للسفر والغوص وصيد الأسماك الشوعي: استخدمت لصيد الأسماك فقط لأنها متوسطة الحجم الهوري، الكيت، الماشوة: سفن صغيرة الحجم استخدمت في صيد الأسماك ومباراة الحضور وتسصحب مع السفن الكبيرة حيث لا تستطيع بعض السفن الكبيرة الدخول للمياه الضحلة .. فتستخدم هذه السفن لنقل النواخذة مع البحارة الى اليابسة بسهولة عندما تبحر السفن للمناطق التي ليس لها موانئ ترسو فيها. لقد وصلت هذه السفن الجميلة الى قارة آسيا كـالهند وماليزيا والصين والى قارة افريقيا ايضاً لتفرغ وتحمل البضائع بأنواعها، بعد ان قام التجار باستيراد افضل الاخشاب لصناعة اكبر و اشهر السفن الخشبية التي تشتهر بها هذه المنطقة من العالم وخصوصاً جزيرة البحرين التي صدرت اكثر هذه الحرف الى الدول المجاورة و منها صناعة السفن . بقلم عميد صناع السفن في البحرين الأستاذ محمد نجيب التيتون