الرياض – البيت الحجازي يعد السمة الأساسية للعمارة والبيوت المنتشرة في مدينة جدة التاريخية وهو مرآة تعكس ثقافة سكان تلك المباني وتقدم صورة لجوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية التي عاشها أصحابها بما فيها من عادات وتقاليد أثرت في تصميم بيوتهم وتأثرت بها، واليوم تعد بيوت جدة التاريخية مجالا خصبا للباحثين في مجال التراث والعمارة، ليستلهموا منها أعمال البناء والديكور.
وعرفت المنطقة التاريخية في جدة بالزينة والزخارف والنقوش التي تعم منازلها، وهذه الزينة اشتهر بها الطراز المعماري الإسلامي، ووجدت في الإرث الحجازي، وهي عادة ما تتواجد في المداخل الرئيسية لهذه المباني المصممة بطريقة فنية تستخدم فيها الأخشاب كمادة أساسية، فتكون في أشكال متنوعة تغطي تلك المداخل ومعظم أجزاء المبنى من الخارج، وهكذا فهي تجسد فن عمارة بات خاصا بها، مما جعلها محط أنظار الباحثين في مجال العمارة العربية والإسلامية.
وتبرز في واجهة البيت الحجازي الذي تسمى به بيوت جدة التاريخية تحفة معمارية النوافذ الخشبية المسماة بـ”الروشان”، وهي تقوم على تغطية النوافذ والفتحات المطلة من البيت على الخارج بالخشب الفاخر مع اعتماد النقوش الإسلامية والألوان الترابية الهادئة، وهي ليست إلا دلالة على ما ورثه أهل جدة من سمات العرب المسلمين المتمثلة في عدم ترك البيت مكشوفا للناظر من خارجه والحفاظ على حرمته وعلى خصوصياته إذ لا يطلع على البيت وما فيه ومن فيه إلا من يسمح له بالدخول من المقربين.
ويقوم تصميم النوافذ على تعرجات تجمع بين الجمالية وبين تقنيات توفير التهوية اللازمة إلى المنزل مع قدرتها على حجب الرؤية من الخارج، كما تلعب أيضا دور الحاجز لتنقص من كمية الأتربة التي تحملها الرياح لتتسرب نحو الداخل وذلك عبر اصطدامها بالواجهات الخشبية كبيرة المساحة التي تخفض من سرعة الرياح وتحد من تساقط حبات الرمل عبر الفتحات الصغيرة في الروشان. وبحسب مؤرخين فإن معظم أخشاب البيوت الحجازية في المنطقة التاريخية بجدة قد جلبت في أوائل القرن الرابع عشر هجري، ومنها ما يسمى بالطيق والأبواب، وأعواد أخرى من خشب القندل تأتي من سواحل أفريقيا الشرقية، قبل تصنيعها وتشكيلها على عين المكان.
اهتم أهالي المنطقة بهذه الأنواع من الأخشاب، وبالأشكال التي صممت بها، لما تضفيه من جمالية وخصوصية داخل المبنى، ولفاعليتها في العمل على عزل المناخ الداخلي حراريا عن الخارج، لأن نوعية هذه الأخشاب تكون عازلة بشكل طبيعي ودون أي إضافات أو مواد أخرى كما تساعد على الحد من وصول أشعة الشمس وحرارتها للداخل.
|
أما أحجار البناء المستخدمة في تشييد البيت الحجازي فعادة ما تكون من حجر الكاشور، وهو الحجر المنقبي “الجيري المرجاني” الذي كان يستخرج من الرصيف الصخري المرجاني الضحل لساحل البحر الأحمر وتحديدا من موقعين هما شمال بحر الأربعين “النقبة” وعند شاطئ الرويس “حي الرويس حاليا”، فيما كان الطين الأسود اللزج المستخرج من قاع بحر الأربعين “بحر الطين” هو البديل عن الإسمنت. ومما يدل على عراقة عادات أهل جدة التاريخية وما يتمتع به أبناؤها من براعة الصنعة وذوق رفيع، أن عددا من البيوت الحجازية، أنشئت بطريقة تسمح بإعادة فكها وتركيبها وهذا لا يوجد في بقية بيوت العالم في عصرها، حيث يمكن مثلا فك الجزء المتضرر في البيت وتعديله ثم إعادته من جديد، ويكون ذلك بشكل أفقي أو عمودي، وهذا بفضل جزء هام في التصميم وهو التكليلة وهي عبارة عن خشبة يصل طولها إلى المتر، يتم وضعها بشكل أفقي في كل جدار، مما يسمح ببناء أربعة طوابق أو “أدوار”، لأن الحجر المنجلي هش ولا يحتمل أكثر من طابق واحد. وتلعب التكليلة دورا محوريا في توازن البناء حيث تساعد على توزيع الوزن في كل طابق، وهي تعادل الكمرات في البناء العصري.
ومن البيوت الشهيرة في جدة التاريخية بيت سلوم الذي تأسس عام 1301 هجري ويقع في حارة المظلوم وتم ترميمه مؤخرا وفق المواصفات والمعايير المعتمدة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار بترخيص من أمانة محافظة جدة وبلدية المنطقة التاريخية. وأطلق عليه اسم “بيت جدة وأيامنا الحلوة” لغرض جعله موقعا تاريخيا يخدم جدة التاريخية ويمثل أحد الروافد التي تساهم في نشر الثقافة والفنون والتراث بالمنطقة وليصبح مقرا يبحث فيه المؤرخون والباحثون سبل حماية التراث العمراني لجدة التاريخية. ويتكون بيت جدة وأيامنا الحلوة – الذي تبلغ مساحته 497 مترا مربعا – من أربع طوابق، في الدور الأرضي مقعد حجازي وجناح مكتبي، ودور أول وثان وفي كل دور جناحان ودور ثالث عبارة عن سطح مجهز ومطل على أسطح بيوت جدة التاريخية.
أنظر أيضا :